★فـــــن كتــــابة المســــرحـيـة
عبـــاس الــــبهادلي: حين يصدر كتاب يدرس فن وقواعد كتابة المسرحية فانه- بكل تاكيد – يمثل اضافة واغناء للمكتبة العربية بسبب ندرة وقلة المصادر التي تتناول هذا الموضوع .
ولعل مقولة الكاتب المسرحي موس هارت تقفز الى الذهن فيما يتعلق بتعليم كتابة المسرحية اذ يقول : “ان تعليم التاليف المسرحي مضيعة للوقت “ وقد ينطبق هذا القول ليس على المسرح فحسب فمن الصعب – بطبيعة الحال – تعلم كتابة الشعر والرواية والقصة .
ولكن من السهل تقديم مقاربات ودراسات لعناصر ومكونات الاجناس الادبية تضيء جوانب مهمة في لغتها وبنائها الفني وخصائصها بما يجعلها قريبة من المتلقي .“فن كتابة المسرحية” لمؤلفه الناقد عدنان بن ذريل محاولة لدراسة فن المسرحية وعناصرها وفق رؤية شاملة زاوجت بين تاريخية الثقافة المسرحية وبين دراسة عناصر ومكونات المسرحية قسم المؤلف الكتاب الى ثلاثة اقسام تضمن القسم الاول خمسة فصول والثاني ستة فصول اما القسم الثالث والاخير فقد احتوى على ثلاثة فصول .وقد تناول في البدء عناصر البناء المسرحي والذي يوحي بالعبرة او القصد الذهني فيها ويتطلب الموضوع الوحدة بالمعنى الاوسطي وحده (الحدث /الزمان/ المكان) ولم يتقيد – فيما بعد – شكسبير والرومانتيكيون بصورة اعم بقانون الوحدات الثلاث.
ومن عناصر المسرحية الشخصية يحاول المؤلف ان يفرق بينها وبين الطباع .. فالشخصية في مجالات التحليل الادبي مجموعة الصفات الجسيمة والعقلية والخلقية التي يتصف بها الانسان وفي المسرح هي البطل وما يتصف به من تكوين فيزيولوجي ونفسي واخلاقي .والشخصية اعم من الطباع اذ انها تحويها وتوجهها.
اما عنصر الصراع المسرحي فهو من العناصر المهمة في بناء المسرحية الا ان المؤلف لم يضع تعريفا دقيقا له شانه في الكثير من المفاهيم والتصورات والمصطلحات وعلى الرغم من المقدمة الطويلة لينهي الموضوع باقتباس تصنيف لاجوس اجري لانواع الصراع الاربعة في كتابة “ فن الكتابة المسرحية “ ترجمة دريني خشبة وهي “ الصراع الساكن والواثب والصاعد والمرتقب”.وكان يمكن للمؤلف ايضا الاستعانة بتعريف اجري للصراع الوارد في المصدر المشار اليه انفا : فالصراع هو علامة الحياة في العمل الفني او الادبي وهو حالة التوتر بين ارادتين او قانون متضادين .
وبدل ان يتحدث المؤلف عن التراجيديا والكوميديا يستعير مصطلحين بديلين هما ، المفجع والمضحك .. ولم يسفر هذا الفصل عن أي جديد فهو عبارة عن عرض اراء ارسطو وبرغسون حول الماساة والضحك.
وفي فصل المسرح والحقيقة التاريخية يتحدث المؤلف عن اشكالية العلاقة بين المنجز الابداعي والنقد بشكل عام ولم يتفحص مفردات هذه العلاقة بين المسرح والنقد المسرحي.
ويستعرض الكتاب بعد ذلك مقومات الصيغة المسرحية بايجاز من حدث وتطور نحو الحل والفكرة والغاية الجمالية والحوار ، منوها بانواع الفصول والمشاهد ودور اغاني الجوقة لما يعرف بالكورس مع ملاحظات سريعة وغير عميقة عن المسرح العربي والشعري منه على وجه التحديد. اما الفصل الذي كرس لموضوع المسرحية والمكتسبات الالسنية فهو فصل انتقائي – فقد ركز فقط على اشارة سريعة حول رولان بارت وتناول بتفصيل مرتبك دراسات لوسات غولدمان عن الشاعر المسرحي الفرنسي راسين منطلقا من رؤيته البنيوية والتوليدية والتي لم يوضحها المؤلف بشكل مستوف وواضح كما هو شان التعريف بالمقولات والمفاهيم والنظريات.
فالعمل الادبي حسب غولدمان بنية دالة ولا يمكن فهم هذه الدلالة الا برد العمل الادبي ذاته الى البنية الاوسع والتي تقتضي النظر في علاقاته السوسيولوجية وتحليلا عميقا لبنائه الداخلي الخاص ونجد في تصورات غولدمان اصداء نظرية الانعكاس الاجتماعي عند استاذه جورج لوكاتش.وفي فصل اخر حمل عنوان ، من سيرة النقد الفني ، حاول المؤلف ان يتناول علاقة النقد بالعمل الفني واتخذ من نهاية القرن السادس ق. م بداية له حين تعرض اكزوفان لاشعار هوميروس واتهامه له بالمروق على الاخلاق ليستغرق بعدها في تفاصيل تاريخية لكنه لم يتجاوز طروحات ارسطو وافلاطون في ذلك مهملا التطور النوعي للنقد ودوره ومكتسبات النقد الحديث وانفتاحاته المعرفية والجمالية والمنهجية العميقة والشاملة .
وقد خصص المؤلف فصلا كاملا عن ترجمات كتاب فن الشعر لارسطو ومصادره ولم تكن سوى سرد تاريخي لا اظن انه يفيد القارئ بشيء .
وفي الفصل الاخير لخص المؤلف فيه كتاب ارسطو نفسه بشيء من الايجاز واذا كانت ثمة ضرورة لهذا الشرح فكان الاجدر به – منهجيا – ان يستهل فيه الكتاب ليعكس توجها متسلسلا ومنطقيا لعرض الكثير من المفاهيم والتصورات وفق تدرج تاريخي لا ينهي الكتاب باقدم النظريات والتعريفات .
وكان من الممكن ان يجد المؤلف عنوانا بديلا لكتابه حتى لا يطابق عنوان كتاب لاجوس اجرى فن كتابة المسرحية .
واذا كانت هناك ملاحظة محورية ومهمة حول الكتاب فهي افتقاده الى منهج واضح ورصين واختلاط مادته بالشروح والاستطرادات والشواهد والتي اثقلت المتن وغيبت شخصية المؤلف وظلت فصول الكتاب تجتر الكثير من المفاهيم والمعلومات المعروفة والتي يمكن الاطلاع عليها في كتب اخرى .
وبسبب هذا فقد تحول الكتاب الى مجرد عرض لاراء وتصورات مبثوثة هنا وهناك دون الاتيان بما هو جديد على مستوى التحليل واستخلاص القيم الفكرية الجديدة والمعاينة المتخصصة لفن كتابة المسرحية .
المصدر: جريدة الاتحاد
http://www.alitthad.com/paper.php?name=News&file=print&sid=16545[quote]